قطاع المقاهي في قلب المشروعات الصغيرة والمتوسطة
مقهى في كل زاوية… لكن لمن البقاء؟
في العقد الأخير، تحوّلت القهوة في الكويت من مشروب صباحي إلى ثقافة يومية ووجهة اجتماعية وتجارية.
المقاهي والكافيهات انتشرت كالنار في الهشيم.. أعداد متفرقة في المجمعات التجارية والمناطق الاستثمارية.. بل وحتى المناطق التجارية والصناعية.
أصبحت المقاهي تملأ المشهد، ولا يخلو شارع أو مجمع أو حتى زقاق من مشروع صغير يحمل لافتة "كافيه" سواء بأسماء إنجليزية أو مفاهيم عصرية.
لكن خلف هذه الواجهة اللامعة، تتكشف قصص نجاح، وأخرى تحمل الإخفاق، وتحديات مالية وإدارية وتشريعية، تواجه أصحاب المقاهي خاصةً المنضوين تحت مظلة المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs).
فوراء كل مقهى صغير في الكويت، هناك حلم رائد أعمال شاب، يراهن على الذوق والديكور والتجربة ليصنع اسمه في سوق مزدحم، لكن هذا الحلم لا يعيش فقط على البن، بل يحتاج إلى بنية تنظيمية، دعم فعلي، ومجتمع يحتضن الفكرة لا يكررها، فنجاح أي كافيه في الكويت لم يعد مجرد تقديم "قهوة لذيذة"، بل قدرة على تقديم تجربة متكاملة، تواكب السوق، وتحاكي شغف الجمهور.
مشهد سوق متسارع
وعلى الرغم من أنه لا توجد إحصائية رسمية دقيقة حول عدد المقاهي في الكويت، إلا أنه وبحسب تصريح سابق صادر عن رئيس اتحاد المطاعم والمقاهي والتجهيزات الغذائية فهد جواد الأربش، أثناء حديثه لـ "‘إيكونيوز" فإن إجمالي عدد المطاعم والمقاهي في الكويت يبلغ حوالي 14,000 منشأة، بما في ذلك الفروع، في حين تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد المقاهي المسجلة في الكويت تجاوز 4,000 مقهى بحلول نهاية 2024، حيث يشكل أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة نحو 65-70% من إجمالي هذا القطاع.
وحتى وقت قريب، كانت إدارة السجلات بوزارة التجارة والصناعة تُسجّل ما بين 30 إلى 50 رخصة تجارية شهرياً تحت بند “مقهى” أو “مشروبات”، حسب تقارير صادرة عن وزارة التجارة والصناعة، علماً بأن عدد المقاهي في الكويت بنهاية 2010 كان أقل من 800 مقهى، ما يعني أن السوق نما بأكثر من 400% خلال 14 عاماً الأخيرة.
أسباب الانتشار
وتقف العديد من الأسباب والدوافع وراء الانتشار السريع للمقاهي بين الشباب الكويتي، فهي من ناحية تعتبر فكرة جيدة جداً مقارنة بمشروعات أخرى، ناهيك عن قلة تكاليف التأسيس مقارنة بغيرها من المشاريع، كذلك يمكن القول أن ثقافة القهوة أصبحت هي الثقافة السائدة بين الشباب في مختلف الأعمار، ما يخلق طلباً مستمراً عليها من قبل شريحة كبيرة من الشباب والشابات.
ولعل ما شجع الشباب الكويتي نحو التوجه لهذا القطاع، هو ذلك الدعم الحكومي النسبي الذي تم تقديمه عبر الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشاريع الصغيرة.
كذلك ساعدت شبكات التواصل الاجتماعي في تسويق المشاريع دون الحاجة لإعلانات تقليدية، مما جعلها سلعة سهلة في متناول شريحة كبيرة من المبادرين الكويتيين.
خيارات متعددة
ومنذ انتشارها في الكويت، حققت العديد من المقاهي نجاحاً كبيراً، خاصة في ظل التنوع وتلبية احتياجات الجمهور، حيث شهد السوق الكويتي تنوعاً ملحوظاً ساهم في الانتشار وتحقيق مبدأ المنافسة المشروعة، حيث شمل هذا التنوع:
1.المقاهي المتخصصة: وهي تلك المقاهي التي تقدم أنواع متخصصة، بأساليب تحضير احترافية.
- كافيهات ذات طابع فني: مثل مقاهٍ تحمل موضوعات موسيقية أو ثقافية أو فنية.
- مقاهي توصيل فقط (كلاود كافيه): وهذا النوع من المقاهي يعمل عبر تطبيقات التوصيل دون مقاعد للجلوس.
4.كرفانات ومقاهي متنقلة: وهذا النوع من المقاهي جذب اهتمام الشباب في 2019–2022، حيث لوحظ انتشارها بكثرة في المناطق السكنية والساحلية، بل وحتى الصحراوية على امتداد المناطق الخارجية كمناطق الشاليهات والجواخير والمخيمات، لكن هذا النوع من المقاهي باتت تواجه حالياً صعوبات قانونية وتنظيمية تسببت في إيقاف تراخيص بعضها، وإلغاء تراخيص البعض الآخر.
التحديات والعقبات
كل ما سبق لا يعني أن سوق المقاهي في الكويت لم يواجه بالعديد من العقبات والمشاكل التي أدت إلى توقف بعضها وإغلاق بعضها الآخر بغير رجعة، حيث عانت الكثير من محلات المقاهي والكافيهات من ارتفاع القيم الإيجارية والاحتكار غير المباشر للمواقع التجارية، كما عانى بعضها من صعوبة الحصول على مواقع جيدة في المجمعات التجارية، حيث تُفضّل هذه المجمعات التعاقد مع شركات كبرى وعلامات تجارية عالمية شهيرة وبراقة لجذب المتسوقين.
ناهيك عن ذلك، فقد عانت الكثير من الكافيهات - حالها كحال العديد من الأنشطة التجارية الأخرى- من ارتفاع التكاليف التشغيلية (الإيجارات، الرواتب، الكهرباء، والتراخيص)، وكلها أمور شكلت عبءاً كبيراً على الكثير من المشاريع الناشئة، خصوصاً تلك التي تعمل بتمويل محدود.
تشبع السوق
كذلك كان من بين العقبات التي واجهت قطاع الكافيهات في الكويت، هي تشبع السوق من المشاريع تقدم القهوة نفسها، بنفس الطريقة، ما خلق "تكراراً مملاً" أفقد بعض المشاريع قدرتها على التميّز.
الدور الحكومي
لعبت الحكومة دوراً كبيراً في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي كان من بينها مشروعات المقاهي والكافيهات، حيث قدم الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة منذ إنشائه أكثر من 600 تمويل لمشاريع في قطاع المقاهي، لكنها لا تشكل سوى 12% من إجمالي الطلبات، وفق تصريحات غير رسمية، فيما قدمت الهيئة العامة للقوى العاملة دعماً تمثل في تسهيلات للعمالة الوطنية عبر توظيف الكويتيين في المقاهي، لكن البعض يرى أن الدعم غير كافٍ بسبب محدودية عدد الموظفين الكويتيين الراغبين في العمل بمجال المقاهي.
في الوقت نفسه، لعبت التحولات الاجتماعية دوراً بارزاً في التأثير على سوق المقاهي في الكويت، إذ أدى ارتفاع الوعي الصحي إلى دفع بعض المقاهي نحو تقديم خيارات عضوية نباتية، أو خالية من السكر، كما ساهمت في زيادة أعداد النساء المبادرات في هذا القطاع؛ إذ أصبحت مشاريع الكافيهات من أبرز خيارات رائدات الأعمال في الكويت خلال السنوات العشر الاخيرة.
بالإضافة إلى ذلك كله، فبفضل القهوة التي تعتبر رمز اجتماعي وهوية كويتية أصيلة؛ لم يعد المقهى مجرد مكان لبيع القهوة، بل أنه أصبح مساحة للتعبير الثقافي والاجتماعي.
مستقبل القطاع إلى أين؟
بحسب خبراء ومتابعين اقتصاديين، يتوقع أن يتم دمج أو اختفاء ما بين 30 إلى 40% من المقاهي الصغيرة خلال السنوات الخمس المقبلة إذا لم تحدث تحولات تنظيمية، فيما من المرجح أن ينمو قطاع المقاهي الرقمية (التوصيل فقط) والمقاهي المشتركة ”(co-cafés) التي تشارك المساحة والنفقات، كما يتوقع الخبراء أن تتجه العلامات الكويتية القوية نحو التوسع الإقليمي في الخليج في حال حصلت على الدعم التسويقي والمالي المناسب.
كيف تغيّرت خريطة المقاهي بعد دخول شركة مطاحن الدقيق على الخط؟
القهوة في الكويت: من رائحة الهيل إلى طوابير “كوفي بريك”…
في بلدٍ اعتاد أن يبدأ صباحه برائحة القهوة العربية، تحوّلت القهوة في الكويت من مشروبٍ تقليدي إلى صناعة متكاملة تقودها المقاهي المختصة، والشركات الناشئة، وصولاً إلى عملاق الغذاء الوطني "شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية" التي دخلت على خط المنافسة أخيراً.
لقد أشعل دخول شركة مطاحن الدقيق والمخابز إلى قطاع المقاهي وسوق القهوة عبر مشروبات جاهزة بأسعار تنافسية، أشعل حراكاً غير مسبوق في السوق المحلي، فهل نشهد بداية تحول جذري في مشهد المقاهي في هذا السوق الصغير..هذا ما ستكشفه الأيام القادمة...
اللاعب الحكومي يدخل اللعبة
في عام 2025، أطلقت شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية مشروبها الجاهز "كوفي بريك" بعدة نكهات مختلفة (إسبريسو-أمريكانو-لاتيه) وبأسعار تنافسية تبدأ من 500 فلس فقط، أي أقل بكثير من متوسط أسعار السوق، ما أكسبها جماهيرية شعبية كبيرة في وقت قصير جداً.
فمنذ الأيام الأولى لانطلاق هذه المنتجات، تداول الكويتيون على نطاق واسع صوراً لطوابير طويلة من العملاء أمام فروع الشركة، وسط انبهار بجودة القهوة مقارنة بالسعر، حيث صرّحت الشركة أن هذا المشروع يأتي ضمن جهودها لدعم الأمن الغذائي وتوفير منتجات محلية عالية الجودة بأسعار مدعومة.
صدمة في المقاهي
بعد هذه الخطوة، أصيبت العديد من المقاهي الصغيرة بصدمة كبيرة، خاصة بعد أن بدأت تشعر بتراجع مبيعاتها اليومية بشكل ملحوظ، وبشكل كبير في الأحياء السكنية التي توجد فيها أفرع شركة مطاحن الدقيق، حيث عانى أصحاب المقاهي الصغيرة من تحديات تمثلت في فقدان القدرة على المنافسة السعرية، ما أدى إلى تراجع الطلب وصعوبة منافسة شركة كبرى مدعومة حكومياً -بحسب ما أفاد عدد من أصحاب المقاهي مؤخراً.
القهوة الوطنية غزت البيوت
لم يتوقع نجاح شركة المطاحن عند "كوفي بريك" فحسب، وإنما امتد إلى منتجات معبأة مثل (قهوة عربية مطحونة، قهوة فرنسية وتركية، كبسولات قهوة للاستخدام المنزلي)، وقد غيّرهذا التوسع من عادات المستهلك الكويتي، حيث بات تحضير القهوة في المنزل أكثر شيوعاً، ما أثّر أيضاً على حجم الإقبال على المقاهي.
وجهة نظر مختلفة
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض وجود شركة المطاحن تهديداً لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، برز رأي آخر يرى أن دخول "المطاحن" إلى هذا القطاع لا يشكل تهديداً، بل دافعاً للابتكار في سوق المقاهي، إذ يقول أحد المستشارين التجاري في قطاع ريادة الأعمال أن المقاهي التي تعتمد على بيع كوب قهوة فقط انتهى وقتها، وأن المستقبل هو للمقاهي التي تخلق تجربة ديناميكية متكاملة تشمل الديكور، الموسيقى، المساحة اجتماعية، الهوية بصرية، والقصة التي تُحكى..